رواية نهاية السيد واي للكاتب سكارلت توماس



بسم الله الرحمن الرحيم 
والصلاة والسلام على رسول الله

أحبائي القراء ومحبي مدونة رقي جئناكم اليوم بموضوع جديد حول رواية من الروايات بعنوان

رواية " نهاية السيد وايللكاتب سكارلت توماس




عن رواية: " نهاية السيد واي "


الترجمة العربية لرواية " نهاية السيد واي " لسكارلت توماس، ترجمة إيمان حرزالله، رواية " نهاية السيد واي "هي امتداد لحالة الكتابة الأوروبية في السنوات الأخيرة حيث النص داخل النص في شكل مراوغ.


 فكتابة الرواية داخل الرواية أمر معقد ومستفز، لذا لن يقدم على هذا النوع من الكتابة من هو ليس ملماً بها، لأنه لو أقدم فمن المؤكد أن عمله سيصبح مشوهاً.



 ولكن سكارلت توماس، تلك الروائية الإنكليزية المولودة في أوائل سبعينات القرن الماضي تعد من علامات الفترة الأخيرة في الرواية الأوروبية. 



تدور رواية " نهاية السيد واي " للروائية الانجليزية سكارليت توماس حول آرييل مانتو طالبة تعمل على اعداد بحث لنيل درجة الدكتوراه تحت اشراف سول بيرلوم الاستاذ بقسم الادب الانجليزي، الذى يعد بحثًا حول ثوماس لوماس وهو كاتب انجليزي من القرن التاسع عشر تحوم حوله لعنة ، تدفع بالطالبة آرييل للاهتمام بلوماس ولعنته 


وكتابه الضائع: نهاية السيد واي، الذى لاتتوفر منه سوي نسخة وحيدة محفوظة فى خزانة مصرف فى ألمانيا.




تعثر آرييل على الكتاب عن طريق الصدفة في واحدة من مكتبات لندن الصغيرة، ورغم اكتشافها لفقدان صفحة من الكتاب ، و عدم امتلاكها للمال الكافي لشراء كتب جديدة بثمن مرتفع إلا أنها تقرر استجماع شجاعتها وشراء الكتاب بكل مافى جيبها من مصروفها الشهري ، لتصبح مفلسة حتى اول الشهر المقبل ، مقابل الحصول على الكتاب/ اللعنة .



 تنهمك آرييل فى قراءة الكتاب بمجرد وصولها لشقتها رغم تحذيرات استاذها بيرلوم المختفى فى ظروف غامضة ، بأن من يكمل قراءة كتاب " نهاية السيّد واي " سوف يموت ، ونكتشف من خلال القراءة مكمن الخطورة فى " نهاية السيد واي " بإحتواء الكتاب على صفحة لمكونات الخلطة التى تمكن السيد واى من تجربة التربوسفير أى الاستبصار عن بعد حسب التعريف السائد فى الفترة الفيكتورية حيث تدور مغامرة السيد واي .



تستهل توماس روايتها بكلمة لصمويل باتلر:"الفكر هو ما يجعل الشيء حسناً أو سيئاً، ليس هذا فحسب، بل لا شيء موجود أصلاً إلا إذا أوجده الفكر"، ما يعني أنها تضعنا منذ البداية على حافة الفكر فقط وأن كل ما لا يمت اليه بصلة فهو خارج سياق الرواية.


" نهاية السيد واي " رواية الحنين الى الكتب القديمة والسرور منها، كما صنفتها مجلة " تايم ".



" يوم كامل من القراءة أمامي، ثمة أسوأ من هذا، يراودني بالفعل النعاس الذي يراودني عادة حين أقرأ كتاباً جيداً: كأنني أريد التمرغ مع الكتاب في الفراش وأنسى العالم الحقيقي".



 تأخذنا توماس في رحلة المغاير والمتخيل، مروراً بالفلسفة:"لا يبارح ذهني التفكير في القلاع والبروج بقممها المستدقة وجسورها المتحررة البعيدة، إذ أكتب سطراً. بإمكانك اعتبار التربوسفير مجازاً. 

هو، على وجه ما، ليس غير عالم مجازي. أتساءل عن مجاز القلاع، ثم أتساءل عندما تدخل التربوسفير: هل يتاح لك الدخول فوراً إلى أقرب وعي لك في العالم المادي"..."في النهاية سأصير لا أحد، لكنني كنتُ أُعرف بالسيد واي"، بهذا المجاز وبهذه النهاية الحتمية كالسيد واي، نجد الراوي/ الراوية يستدرجنا بخفة في متاهات عن جدلية البحث بين الأنا والآخر، من دون تحديد لمن هو الآخر، وإن كان يؤمن بأن"الآخر هو الجحيم"، كما يقول سارتر.



 إننا أمام رحلة طالبة جامعية، تمر بتحولات جذرية في حياتها تبدأ بالنهاية حيث البحث عن كتاب توماس اللعين " نهاية السيد واي "، لنعود مع الرواية إلى البدايات مع تشوه الحياة واللامبالي والمغامر الذي لا يطيق جدراناً أو حدوداً، لنصل في ذروة الضياع إلى إمرأة ملغزة في علاقاتها، نهمة، وتحديداً متسلقة وقذرة أحياناً في رد فعلها تجاه من تقيم معهم علاقات عابرة.


 ولكن يظل كتابة " نهاية السيد واي " هو المحرك الخفي للرواية، ويظل هو بوابة السرد الأولى والأخيرة، وهو أيضاً مفتاح الانطلاق للحديث عن الفلسفة:"أفكر في هيدغر ثانية وأدرك أن هناك الكثير جداً مما لا أعلمه".



" نهاية السيد واي " رواية داخل الرواية، لكن تنقصها صفحة التركيبة الوصفية لخلاص السيد واي، ذلك التاجر الثري الذي يفقد كل شيء فيقرر الذهاب بعيداً في منطقة التربوسفير حيث اللامكان هو المكان وحيث اللاوعي هو الوعي وحيث الزمن هو اللازمن، 




ولكننا لا ندري هل الطالبة تحديداً هي ما تود الدخول في تلك المنطقة أم أنها تتحدث عن السيد واي، وبالفعل تحدث نقلة في السرد الروائي أشبه بنقلات سينما ستانلي كوبريك أو تارنتينو عندما ينقلب كل شيء رأساً على عقب، 




فنجد بسبب الكتاب اللعين ونجد نهاية السيد واي تضع الطالبة في فخ المطاردة الحقيقية/الخيالية، حيث نجد الراوية عند هذه المرحلة من تجربة آرييل تحولها إلى مطاردة من قبل عملاء استخباراتيين سابقين سبقت لهم تجربة الوصفة وادمانها قبل ايقاف البرنامج ،




 مما يدفعهم للسعي وراء آرييل للحصول على الكتاب ، تتسارع الاحداث حتى نصل إلى النهاية الغير متوقعة ، تمر خلالها آرييل بسلسة اكتشافات مثيرة ، وتخوض تجارب جديدة ، وتعيش على حافة الخطر بين عالمين احدهم مادي ملموس والأخر لامادي.



وفجأة تكتشف آرييل أن الصفحة المفقودة من الكتاب التى تحتوى على تركيبة الوصفة لاستعمال التروبوسفير، و تتفاجىء بعثورها عليها محفوظة ضمن احد كتب استاذها بمكتبهم المشترك بالجامعة ، وتعثر على سر تركيبة التربوسفير أو البعد الرابع للأشياء، فتجربها ، لتعيش تجربة ولوج عالم التروبوسفير الذى يسمح لها بالتجول فى اللاوعي لدى الفرد ، إذ تدخل الرأس لتكتشف امتلاك المتجول القدرة على التغيير والعبث فى ذلك الرأس .



وهنا يصبح جلد الذات هو سر مواجهة الآخر، ونجد الراوية تتحول إلى راوٍ، وتنغمس في شهوانية الشذوذ، وتغرق في خلاص من شيء حتى تلك المدينة بكل شوارعها وحتى شقتها وفئرانها التي تشاركها منزلها الكئيب.



 وحدة في مقابل إعادة ترتيب الزمن. شعور بالفشل في مواجهة البحث عن الحب. جنون في مواجهة الحلم.




توترات لا تتوقف على مدار الصفحات التي تتجاوز الأربعمئة، وتتداخل ما بين النص المتخيل والنص الواقعي. 



رواية" نهاية السيد واي "هي أيضاً رواية تأريخية للعلم وللفلسفة في شكل مذهل. 




ونستطيع القول إنه إذا كان إمبرتو ايكو يعد من أفضل الكتاب في التأريخ سواء للكنسية في"اسم الوردة"مثلاً أو حتى للتاريخ نفسه كما فعل في"مدافن براغ"، فإن سكارلت توماس استطاعت كتابة العلم والفلسفة بمهارة، فأنت في رحلة لفيزياء الكم وفي رحلة لهيدغر على سبيل المثال لا الحصر، ما يجعلنا لا نستطيع حصر كم الكتب والمراجع التي استندت إليها توماس أثناء كتابتها هذا العمل. لغة توماس في "نهاية السيد واي" تعتمد على التعقيد السهل، والتراكيب الغرائبية في بناء الجمل.




 فى هذا العمل اعتمدت سكارلت على أسلوب معقد وهو كتابة رواية داخل الرواية ، إذ تضع مغامرة السيد واي داخل نص يحكى مغامرة آرييل مانتو حيث يتداخل صوت الراوية آرييل مع صوت الراوي السيد واي فى لغة تعتمد السهل المعقد ، 


تقترب فيها من تحولها للغة شعرية فى بعض المواضع كقولها :"... أي قطار أستقل؟ رصيف الحزن 1225 رصيف القرف 69 لست واثقة أن بودي ركوب قطار الحزن أو قطار القرف " ماذا عن الألم؟ لكنني لم أكن أتألم فعلاً"، ولكنها لغة شاعرة"هكذا أرقد على فراشي قبل أن تبدأ الشمس في الذوبان في السماء كقرص دواء"،"جسدي كله كأنه ابتسامة".




 لغة المعاش ولغة الرصد والتحليل، فهي أحياناً تذكرك بشاعرية رامبو، وأحياناً تصفو لتقترب من لغة خوان رولفو أو ماركيز، وأحياناً تمتلئ بالوجع الذي يشعرك بالخشونة كلغة مارسيل بروست، وأحياناً أخرى هي لغة لاكان أو سارتر أو هيدغر.




المدهش واللافت لانتباه فى هذه الرواية هو إعادة توظيف الأدب والعلم والخيال فى نص أدبي ، يتكىء على الإثارة التى تتضمن انهيار مباني، مطاردة عملاء استخباراتيين سابقين ، شرب القهوة مع إله فأر يحمل اسم أبولو سمينثوس يمنحها بطاقة تستعملها لطلب العون ،وتسافر عبر الزمن ، وتعبث فى أفكار الآخرين محاولة تغيير الواقع .



لاتوجد فى اللغة العربية اعمال لكتاب يستعملون هذا النوع من الكتابة الروائية التى اشتهر بها الإيطالى امبرتو إيكو فى القرن العشرين من الكتاب الأوربيين ، بالإضافة لمجموعة ظهرت فى القرن التاسع عشر كالانجليزي هـ . ج . ويلز، والفرنسي جول فيرن وغيرهم ، والتى تعتمد على مزيج من الكتابة العلمية والمعرفة الموسوعية فى تاريخ العلم و الفلسفة والآداب القديمة وغيرها ضمن قالب أدبي.



سكارليت توماس فى رصيدها ثلاث روايات أخرى هى " أشياء صغيرة براقة "، " الخروج "، و" بوب كو "، استطاعت بمقدرة أن تفرض اسمها في عالم الرواية الإنكليزية وان تحقق شهرة و تلفت انتباه دور النشر بأرقام مبيعات اعمالها ، مما وضعها في العام 2001 ضمن قائمة " الإندبندنت " لأفضل الكتاب الشباب في انجلترا وأيضاً هي الآن من المعروفين في أوروبا كلها، تقوم سكارلت فى الوقت الحالي بتدريس الكتابة الإبداعية فى جامعة كنت .



لايخفي على القارىء الجهد الكبير المبذول من المترجمة إيمان حرزالله فيتضح دورها وجهدها في ترجمة هذا العمل الصعب الكثير الهوامش والمعقد في تركيبه اللغوي.







تعليقات